رغم احتدام الصراع في السودان، بدأت بوادر استقرار نسبي تظهر في بعض المناطق، مما دفع أكثر من 1.3 مليون نازح إلى العودة إلى ديارهم خلال الأشهر الأربعة الماضية، وفقًا لتقرير حديث صادر عن المنظمة الدولية للهجرة.
وأشار عثمان بلبيسي، المدير الإقليمي للمنظمة، إلى أن معظم العائدين توجهوا إلى ولاية الجزيرة بنسبة 71%، تليها سنار بنسبة 13%، ثم الخرطوم بنسبة 8%. كما أضاف أن هناك توقعات بعودة نحو 2.1 مليون نازح إلى الخرطوم بحلول نهاية العام، لكنه ربط ذلك بالوضع الأمني وإمكانية استعادة الخدمات الأساسية.
أزمة نزوح غير مسبوقة
منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تجاوز عدد النازحين 12 مليون شخص، بينهم حوالي 5 ملايين لجؤوا إلى دول الجوار، ما يجعلها أكبر أزمة نزوح في العالم، بحسب تقارير الأمم المتحدة. وفي إحدى زيارات وفد الأمم المتحدة إلى الخرطوم، عبّر أحد السكان عن المطالب الأساسية قائلاً “نحتاج فقط إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية والتعليم، هذا هو مستقبل أطفالنا”.
جهود لإعادة تأهيل العاصمة الخرطوم
تهدف السلطات السودانية بالتعاون مع منظمات الإغاثة إلى إعادة تأهيل العاصمة الخرطوم، في ظل التحديات الإنسانية المتفاقمة. وفي هذا السياق، تبذل جهود متواصلة لإزالة الأنقاض المنتشرة في الأحياء المتضررة، إضافة إلى تأمين المياه النظيفة والكهرباء للمواطنين.
كما يجري العمل على دعم المرافق الصحية لمنع تفشي الأمراض، وعلى رأسها الكوليرا. وفي تصريح صحفي، أوضح لوكا ريندا، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن هناك نحو 1700 بئر مياه بحاجة إلى إعادة تأهيل، مشيرًا إلى أهمية توفير الكهرباء عبر الطاقة الشمسية لتلبية احتياجات المنازل بطريقة مستدامة.
وأكد أن البرنامج أطلق خطة لحلول طويلة الأمد لضمان سبل العيش للعائدين، مشيرًا إلى وجود 6 مستشفيات على الأقل بحاجة لإصلاح عاجل، إضافة إلى عدد من مراكز الرعاية الأولية.
التحديات: الألغام والتمويل المحدود
من بين أبرز التحديات التي تعرقل جهود إعادة الإعمار في الخرطوم، تبرز مخلفات الحرب والألغام كخطر مستمر يهدد الأرواح ويعيق العودة الآمنة للسكان. وفي هذا السياق، أشار لوكا ريندا إلى خطورة الوضع بقوله: “حتى في مكتبنا تم العثور على مئات الذخائر غير المنفجرة”. هذا التصريح يسلط الضوء على حجم المشكلة، ويؤكد أن تطهير المناطق المتأثرة سيستغرق وقتًا وجهودًا ضخمة لضمان بيئة آمنة للعائدين.
تعمل الهيئة المحلية لمكافحة الألغام بدعم من دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام على إزالة هذه المخاطر، لكن تطهير المدينة بالكامل سيستغرق سنوات، ويحتاج إلى 10 ملايين دولار على الأقل لتكثيف الجهود.
ورغم الحاجة الماسة، لم تتلق الأمم المتحدة سوى 23% من التمويل المطلوب والبالغ 4.2 مليارات دولار لتقديم مساعدات منقذة للحياة لنحو 21 مليون شخص داخل السودان حتى 21 يوليو 2025.
أزمة النزوح لا تزال مستمرة
رغم عودة آلاف النازحين إلى مناطقهم، لا تزال حركة النزوح مستمرة بشكل يومي، خاصة من ولايتي دارفور وكردفان حيث يشتد الصراع. ووفقًا لتقديرات مفوضية اللاجئين، تجاوز عدد اللاجئين من دارفور وحدها 800 ألف شخص منذ بداية الأزمة. في المقابل، يحتاج المجتمع الدولي إلى توفير 1.8 مليار دولار لتأمين الدعم الأساسي لنحو 4.8 ملايين لاجئ في الدول المجاورة.
ومع ذلك، لم يتم حتى الآن تأمين سوى 17% فقط من هذا التمويل المطلوب، مما يزيد من هشاشة أوضاع هؤلاء اللاجئين ويُبرز الحاجة الماسة لتكثيف الاستجابة الإنسانية. وقد أكد مامادو ديان بالدي، منسق شؤون اللاجئين لأزمة السودان، أن الأزمة تتطلب دعمًا عاجلًا، وأن اللاجئين بحاجة إلى السلام قبل أي شيء آخر.
النزوح في السودان لا يزال يتفاقم في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية. وبينما يعود بعض النازحين إلى ديارهم، يواجهون واقعًا معقدًا يحتاج إلى دعم دولي حقيقي وخطط طويلة الأمد لإعادة البناء وضمان الكرامة الإنسانية.