تواجه فرنسا كارثة بيئية غير مسبوقة، مع استمرار حرائق الغابات جنوب البلاد في الانتشار لليوم الرابع على التوالي. وتعتبر هذه الحرائق الأكبر منذ عام 1949، بعدما أتت على أكثر من 16 ألف هكتار من الغابات والمنازل، في مشهد يجسد عمق أزمة التغير المناخي التي تضرب منطقة البحر المتوسط بقوة هذا الصيف.
خسائر بشرية ومادية جسيمة
حتى الآن، أكدت السلطات الفرنسية وفاة امرأة مسنة في قرية سان‑لوران‑دو‑لا‑كابرريس، في حين لا يزال ثلاثة أشخاص في عداد المفقودين. وفي سياق متصل، أصيب 13 شخصًا على الأقل، من بينهم 11 رجل إطفاء، وصفت حالتهم بالحرجة. إضافة إلى ذلك، أسفرت الحرائق عن تدمير عشرات المنازل في أكثر من 15 بلدة متضررة ضمن منطقة كوربييريس – أود.
من ناحية أخرى، أظهرت لقطات جوية بطائرة مسيّرة مساحات واسعة من الأرض المحروقة، تقدر بما يعادل مرة ونصف مساحة باريس، في مشهد يعكس حجم الكارثة البيئية التي تواجهها فرنسا حاليًا.
ظروف مناخية تسرّع الانتشار
ساهمت الرياح القوية، ودرجات الحرارة المرتفعة، وجفاف استمر لأشهر في سرعة انتشار النيران. وقد أشار مسؤول عمليات الإطفاء “كريستوف ماني” إلى أن السيطرة الكاملة على الحريق “لم تتحقق بعد، لكننا نأمل بذلك خلال الساعات القادمة”.
وقالت وزيرة البيئة الفرنسية، أنييس بانييه روناشيه “الليل كان أبرد، مما أبطأ من تقدم الحريق، لكنه لا يزال الأعنف منذ 1949. ما نشهده هو نتيجة مباشرة للتغير المناخي والجفاف الشديد.”
دعم أوروبي لمواجهة الكارثة
ضمن استجابة طارئة، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تفعيل آلية للمساعدة، ما أتاح إرسال طائرات مائية متخصصة ومعدات متقدمة لدعم جهود أكثر من 2150 رجل إطفاء على الأرض، مدعومين بمروحيات وأطقم محلية من الدفاع المدني الفرنسي.
تحقيق رسمي في الأسباب
بدأت السلطات تحقيقًا موسّعًا لمعرفة أسباب اندلاع الحريق، وسط تقديرات علمية تشير إلى أن 90٪ من حرائق الغابات تنجم عن أنشطة بشرية، سواءً كانت عرضية أو متعمدة. ويخشى الخبراء من استمرار هذه الظاهرة مع تصاعد موجات الحر.
تحذير من موجة حر جديدة
حذرت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية من موجة حر قادمة تبدأ الجمعة وتستمر لعدة أيام، ما يزيد من خطورة اندلاع حرائق جديدة في مناطق مجاورة. وتعتبر هذه الموجة استمرارًا لصيف 2025، الذي يُوصف بأنه الأكثر تطرفًا في أوروبا خلال العقد الأخير.
أزمة المناخ لم تعد نظرية
يشدد العلماء على أن ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات الأمطار في أوروبا الجنوبية أصبحا واقعًا ملموسًا، مع مؤشرات بيئية تنذر بأن مثل هذه الحرائق ستتكرر بشكل أكثر شدة وانتظامًا ما لم تتخذ سياسات بيئية صارمة للتخفيف من آثار التغير المناخي.
في النهاية، تسلط هذه الكارثة الضوء على هشاشة البيئة الأوروبية في مواجهة التحولات المناخية المتطرفة. فرنسا اليوم لا تكافح حريقًا فحسب، بل تواجه إنذارًا صارخًا بضرورة التحرك العاجل إزاء أزمة المناخ العالمية. ولا يكفي الإطفاء، بل يجب الوقاية والتخطيط البيئي طويل الأمد.