رغم مرور أشهر من القتال، لا تزال الحرب في غزة تطرح تساؤلات كبيرة حول ما سيحدث بعد ذلك. في الوقت الذي دمرت فيه إسرائيل معظم البنية التحتية في القطاع، لا تزال الرهائن الإسرائيليون في قبضة حماس، بينما يعاني السكان الفلسطينيون من الجوع والدمار.
في هذا السياق، تبرز 4 سيناريوهات محتملة بشأن مستقبل غزة، تختلف في تبعاتها السياسية والإنسانية.
1. إعادة احتلال غزة بالكامل
تتزايد التكهنات في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن احتمالية إصدار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرارًا بإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وذلك لأول مرة منذ الانسحاب العسكري والمستوطنين عام 2005. وتشير التقديرات إلى أن الخطة قد تشمل توغلًا بريًا في ما تبقى من مناطق مأهولة داخل القطاع، وخاصة تلك التي لجأ إليها قرابة مليوني نازح، مثل مخيم “المواصي” الساحلي.
لكن في المقابل، قد يسفر هذا السيناريو عن موجة جديدة من الضحايا والدمار الواسع، بالإضافة إلى تعريض حياة ما يقرب من 20 رهينة متبقية لمخاطر جدية. كما أن إعادة الاحتلال ستضع إسرائيل أمام التزامات قانونية دولية، تلزمها بتأمين الحماية والخدمات الأساسية لسكان غزة باعتبارها قوة احتلال.
ورغم المعارضة الداخلية من جهات أمنية إسرائيلية، يحظى هذا السيناريو بدعم كبير من أحزاب اليمين المتطرف التي تدعو لإعادة توطين اليهود في غزة وترحيل السكان الفلسطينيين.
2. وقف إطلاق نار بشروط دولية
أعلنت حركة حماس مؤخرًا استعدادها للإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين لديها، وذلك في إطار اتفاق يشمل عدة شروط رئيسية. أولًا، تطالب الحركة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. ثانيًا، تشترط انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من قطاع غزة. وأخيرًا، تسعى حماس إلى التوصل إلى هدنة دائمة تضع حدًا للعمليات العسكرية وتفتح الباب أمام استقرار طويل الأمد في المنطقة.
هذه الشروط كانت محور اتفاق وقف إطلاق النار الذي دعمته إدارة بايدن وتم تضمينه لاحقًا في مبادرة إدارة ترامب، والتي أسفرت عن هدنة استمرت 6 أسابيع وتبادل جزئي للأسرى. لكن إسرائيل أنهت هذه الهدنة في مارس، ورفضت شروط حماس خوفًا من إعادة بناء قوتها العسكرية واستعادة نفوذها داخل غزة.
3. هدنة مؤقتة وفق شروط إسرائيل
يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تأكيده أن الحرب في غزة لن تنتهي إلا بعد استعادة جميع الرهائن والقضاء التام على حركة حماس. في هذا السياق، تقترح إسرائيل هدنة مؤقتة، تتضمن تبادلًا جزئيًا للرهائن وجثامين القتلى، مقابل انسحاب محدود من بعض المناطق وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة.
لكن في المقابل، تشترط إسرائيل نزع سلاح حماس كجزء أساسي من أي اتفاق نهائي، وهو ما ترفضه الحركة بشكل قاطع، مؤكدة أنها لن تتخلى عن سلاحها طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. إلى جانب ذلك، تتضمن الخطة الإسرائيلية أيضًا مقترحًا بهجرة “طوعية” للفلسطينيين من غزة، غير أن العديد من الجهات الدولية ترى في هذا الطرح شكلًا من أشكال الترحيل القسري، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
4. استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى
السيناريو الأخطر هو استمرار القتال بوتيرة منخفضة. إذ تواصل إسرائيل تنفيذ ضربات جوية شبه يومية، فيما ترد حماس بهجمات متفرقة تستهدف الجنود الإسرائيليين. في الوقت نفسه، يظل مصير الرهائن معلقًا، إذ قد يستمر احتجازهم لأشهر وربما لسنوات. وعلى الصعيد الإنساني، تصل المساعدات إلى قطاع غزة ببطء، فقط لتفادي المجاعة، دون أن يلوح في الأفق أي حل سياسي شامل ينهي هذا النزاع المستمر.
الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في أكتوبر 2026، أو قبل ذلك، قد تؤدي إلى تغيير القيادة، لكن حاليًا، يعتمد المسار المستقبلي إلى حد كبير على قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعم إسرائيل دبلوماسيًا وعسكريًا، دون فرض شروط لوقف الحرب.
مصير غزة بين السياسة والإنسانية
تظل جميع السيناريوهات مطروحة، لكن الثابت الوحيد هو المعاناة الإنسانية العميقة التي يعيشها سكان غزة والرهائن على حد سواء. مستقبل الحرب لن يحسم عسكريًا فقط، بل سيعتمد على توافق دولي نادر، وعلى قدرة الوسطاء في إيجاد صيغة تحفظ أرواح المدنيين وتحقق الحد الأدنى من مطالب الأطراف.