شهدت الضواحي الشرقية والشمالية لمدينة غزة ليلة عنيفة، حيث قصفت الطائرات والدبابات الإسرائيلية مناطق حي الزيتون والشجاعية بشكل متواصل، فيما طالت القذائف منازل وطرقات في حي الصبرة، إلى جانب تفجير عدة مبانٍ في جباليا شمال القطاع، بحسب روايات السكان.
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن القوات عادت إلى جباليا مؤخرًا بهدف تدمير الأنفاق وتعزيز السيطرة، مؤكدة أن هذه العمليات تمهّد لتوسيع القتال ومنع عودة عناصر حماس إلى تلك المناطق.
خطة للسيطرة على غزة
أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة عسكرية للسيطرة على غزة، ووصفتها بأنها “المعقل الأخير لحماس”. ومن المتوقع أن يبدأ التنفيذ خلال أسابيع، ما يتيح لمصر وقطر فرصة لمواصلة جهود الوساطة للتوصل إلى وقف إطلاق النار.
وقد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، إسحاق كاتس، الأحد أن الهجوم سيستمر حتى تحقيق أهدافه، ملوحًا الجمعة الماضية بأن المدينة “ستُمحى” إن لم توافق حماس على شروط إسرائيل بإنهاء الحرب والإفراج عن جميع الرهائن.
نزوح ومعاناة المدنيين
ليلة القصف أجبرت عائلات كثيرة على الفرار، بينما فضّل آخرون البقاء رغم الخطر. يقول محمد، 40 عامًا: “لم أعد أحصي عدد المرات التي خرجت فيها مع زوجتي وبناتي الثلاث من المنزل… لا مكان آمن، لكن أخشى أن يبدأ الاجتياح فجأة بالأسلحة الثقيلة”.
في المقابل، قالت آية، 31 عامًا: “لن نغادر، ليدمرونا هنا. نحن جياع وخائفون ولا نملك ثمن خيمة أو وسيلة نقل”.
أزمة إنسانية ومجاعة متصاعدة
تقارير دولية تؤكد أن غزة والمناطق المحيطة بها دخلت مرحلة المجاعة رسميًا، وسط تحذيرات من توسع الأزمة، كما أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة ثمانية أشخاص إضافيين بسبب الجوع وسوء التغذية، ليرتفع عدد الوفيات إلى 289 بينهم 115 طفلًا منذ بداية الحرب. وقد رفضت إسرائيل هذه التقديرات، مؤكدة أنها “تتجاهل زيادة المساعدات” التي سمحت بها منذ أواخر يوليو.
تدني الخدمات الأساسية وتوقف المساعدات
أدى الحصار والتدمير إلى توقف 90% من إمدادات الكهرباء ودخول الخدمات الصحية في حالة حرجة، بينما تبقى مراكز الماء والبنى التحتية مدمرة ولا يستطيع المدنيون الحصول على مساعدة أو وسائل البقاء.
حصيلة الخسائر البشرية
وفق وزارة الصحة في غزة، فقد قُتل أكثر من 62 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، وتحولت مناطق واسعة إلى ركام، مع نزوح الغالبية العظمى من سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.
في النهاية، إن تطورات غزة تعكس واقعًا مأساويًا يجمع بين القصف العنيف، المجاعة المتفاقمة، وانعدام الممرات الإنسانية. في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عمليتها العسكرية تحت مسمى “المعقل الأخير لحماس”، يعيش مئات الآلاف من المدنيين بين خيارين أحلاهما مر: النزوح القسري أو البقاء تحت نيران الحرب والجوع.
وبينما تزداد التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية وشيكة، يظل مستقبل المدينة وأهلها رهينًا بمسار المعارك ومآلات المفاوضات السياسية. الأزمة لم تعد محصورة في حدود غزة، بل باتت اختبارًا للمجتمع الدولي حول مدى استجابته لنداءات وقف إطلاق النار وتوفير الحماية لأبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم في قلب حرب مفتوحة.