أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في سوريا عن تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل في محافظة السويداء ومحافظتين أخريين هما الحسكة والرقة. وأكدت اللجنة أن القرار جاء لأسباب أمنية، موضحة أن المقاعد المخصصة لتلك المحافظات ستبقى شاغرة حتى توافر “بيئة آمنة” لإجراء التصويت.
أول انتخابات بعد سقوط الأسد
تُعد هذه الانتخابات البرلمانية الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وجاءت استنادًا إلى دستور مؤقت صدر في مارس 2025. ويُنتخب ثلثا أعضاء مجلس الشعب (140 مقعدًا) عبر لجان محلية انتخابية، فيما يعيّن الرئيس أحمد الشرع الثلث المتبقي (70 مقعدًا) مباشرة. هذا النظام الانتخابي الجديد يهدف إلى ضمان مشاركة تكنوقراط وخبراء ضمن السلطة التشريعية.
خلفية التوتر في السويداء
شهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، اشتباكات عنيفة في يوليو الماضي بين مقاتلين دروز وعشائر سنية بدوية، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى. وتدخلت القوات الحكومية لاحتواء التوتر، فيما نفذت إسرائيل ضربات جوية لمنع ما وصفته بمحاولات قتل جماعي للدروز على يد القوات الحكومية.
إدارة محلية مؤقتة في السويداء
ردًا على التدهور الأمني، أعلنت القيادة الروحية للطائفة الدرزية في 25 يوليو 2025 تشكيل “اللجنة القانونية العليا” لتتولى إدارة الشؤون المدنية والخدمية والقضائية في المحافظة. كما اعتُبر ذلك خطوة نحو حكم ذاتي مؤقت، خصوصًا مع رفض الفصائل الدرزية انتشار القوات الحكومية في المنطقة ورغبتها في إدارة أمنها بشكل مستقل.
أزمة إنسانية متفاقمة
إلى جانب الأزمة السياسية، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تصاعدًا في حوادث الاختطاف والقتل والانتهاكات، بما في ذلك حالات اغتصاب واعتداءات ضد النساء والأطفال. هذه التطورات الإنسانية الخطيرة ساهمت بشكل مباشر في قرار تعليق الانتخابات بالسويداء.
انتقادات كردية لقرار التأجيل
لم يقتصر الجدل على الجنوب السوري، بل امتد إلى مناطق الشمال الشرقي حيث تسيطر “الإدارة الذاتية” ذات الغالبية الكردية. فقد رفضت قرار استبعاد الحسكة والرقة من الانتخابات، ووصفت العملية بأنها “مسيسة وغير ديمقراطية”. كما أكدت أن مناطقها تعتبر أكثر استقرارًا من غيرها. واتهمت السلطات في دمشق باستخدام “ذريعة الأمن” لتبرير تهميش ملايين السوريين في تلك المناطق.
تصريحات اللجنة العليا للانتخابات
أكد المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات أن “الانتخابات مسألة سيادية لا يمكن إجراؤها إلا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بشكل كامل”. وأشار إلى أن العملية الانتخابية ستظل مؤجلة في المحافظات الثلاث حتى إشعار آخر.
في النهاية، إن قرار سوريا تؤجل الانتخابات البرلمانية في السويداء والحسكة والرقة يكشف عمق الأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد في مرحلة انتقالية حساسة. فبين دستور مؤقت يهدف إلى رسم ملامح جديدة للحكم، وصراعات طائفية وانقسامات مجتمعية متصاعدة، تبدو الطريق نحو استقرار حقيقي مليئة بالتحديات. تظل الأسئلة مفتوحة حول قدرة الحكومة الجديدة على ضمان مشاركة شاملة تعكس إرادة جميع السوريين، بعيدًا عن منطق التهميش والإقصاء، وصولًا إلى مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.