في خطوة كبيرة نحو تعزيز الاعتماد على الذات وتقليل الواردات، أطلقت تركيا إستراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي في مجالات حيوية مثل الطاقة، السلع الأساسية، والقطاعات الرئيسية الأخرى. هذه الخطة الطموحة تأتي في إطار برنامج اقتصادي متوسط الأجل للفترة 2025-2027، تم الكشف عنه مؤخراً، ويستهدف تحويل الاقتصاد التركي نحو مزيد من الاستدامة والتنافسية على الصعيد العالمي.
تهدف تركيا من خلال هذا البرنامج إلى تقليل اعتمادها الكبير على السلع المستوردة، حيث وصلت قيمة وارداتها في النصف الأول من العام الماضي إلى 267 مليار دولار. الخطة تشمل تعزيز الإنتاج المحلي في مجالات النفط والغاز الطبيعي والمعادن، وهو ما يهدف إلى دمج هذه الموارد في الاقتصاد الوطني لدفع عجلة النمو وإضافة قيمة مضافة.
ستكثف تركيا من أنشطة الاستكشاف والإنتاج داخلياً وخارجياً، لاسيما في قطاعي الطاقة والتعدين، سعياً وراء تقليل الاعتماد على الواردات وضمان استقرار إمداداتها من المواد الأساسية.
كما وتسعى تركيا أيضاً لتطوير اقتصادها وفق المعايير الأوروبية، خصوصاً فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي والاتفاقية الخضراء الأوروبية. من بين الأهداف البارزة في هذا الصدد هو إنشاء نظام وطني للحد من الانبعاثات، وهو ما سيتماشى مع آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي، مما سيُساهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد التركي.
كما ستركز تركيا على زيادة إنتاج السلع ذات التقنية العالية وزيادة القيمة المضافة من خلال تقديم أدوات مالية جديدة للمصدرين لمواجهة التحديات المحتملة المتعلقة بالتسعير الكربوني. بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى تنويع أسواق التصدير العالمية وتعزيز سمعة العلامة التجارية “صنع في تركيا”.
معالجة العجز في الحساب الجاري
التقليل من الاعتماد على الواردات هو هدف أساسي في إستراتيجية تركيا الاقتصادية، حيث تسعى إلى تعزيز إنتاج المواد والمعادن الأساسية. يلعب صندوق الثروة السيادي التركي دوراً حيوياً في هذه الجهود من خلال استثمارات ضخمة في قطاع التعدين، بهدف تقليص الواردات وتحسين الميزان التجاري وتقليل العجز في الحساب الجاري.
ولتوفير بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، تخطط الحكومة لتقديم إطار تنظيمي جديد في قطاع التعدين يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز الإنتاج المحلي.
تنويع الطاقة ودعم الصناعات المحلية
تركيا أيضاً تخطط لتوسيع قدراتها في مجال الطاقة النووية كجزء من محفظتها لتوليد الكهرباء، مع التركيز على تطوير تقنيات ومشاريع جديدة تهدف إلى توطين المعدات المستخدمة في محطات الطاقة النووية.
في قطاع النقل، تسعى الحكومة لتكثيف الإنتاج المحلي لأنظمة السكك الحديدية بما في ذلك القطارات السريعة والمترو والترام. هذه الجهود تأتي ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة.
على صعيد آخر، تسعى تركيا إلى تعزيز مكانتها كمركز دولي لإنتاج الأفلام السينمائية، حيث تقدم الدعم للمشاريع الدولية الرامية إلى استقطاب شركات الإنتاج العالمية. هذه الخطوة تأتي في سياق استغلال الإمكانات المتزايدة للسوق العالمية المزدهرة في مجال الإعلام والترفيه، مما سيسهم في تعزيز صورة تركيا كمركز إبداعي وثقافي.
بينما تسعى تركيا جاهدة لتقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز قدراتها الإنتاجية المحلية، يبقى السؤال الرئيسي هو مدى نجاح هذه الخطة الطموحة في تحقيق أهدافها. فالتحديات كبيرة، ولكن الجهود المبذولة لتطوير الاقتصاد وتحديث البنية التحتية الإنتاجية قد تمهد الطريق أمام تركيا لتحقق استقلالية اقتصادية أكبر وتعزز من مكانتها في الأسواق العالمية.
المصدر: وصل بوست