في تطور لافت يعكس تصاعد التوترات في الساحة السورية، نقلت وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر إقليمية أن إسرائيل وجّهت ضربات جوية استباقية إلى ثلاث قواعد جوية سورية كانت تركيا بصدد استخدامها لنشر قوات عسكرية ضمن اتفاق دفاعي مشترك قيد الإعداد. الضربات – التي وُصفت بالأعنف منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي – دمرت أجزاء واسعة من البنية التحتية، لا سيما في قاعدة “تي فور” التي أصبحت، بحسب المصادر، غير صالحة للعمل تمامًا.
التحرك التركي جاء في سياق مساعٍ لتعزيز النفوذ في سوريا ما بعد الأسد، خصوصًا في المناطق الوسطى، حيث زارت فرق عسكرية تركية قواعد “تي فور”، وتدمر، ومطار حماة. غير أن إسرائيل، التي تخشى تمدد قوى إسلامية أو إقامة قواعد عسكرية قريبة من حدودها، سارعت لتوجيه ضربات دقيقة عشية زيارة تركية مرتقبة، في رسالة واضحة بأنها لن تسمح بموطئ قدم تركي جديد في سوريا.
تركيا لا تسعى بالصدام مع اسرائيل
وفي حين رفضت أنقرة تأكيد أو نفي تلك التحركات، شددت على أنها لا تسعى لمواجهة مع إسرائيل، بل تسعى لتحقيق الاستقرار في سوريا. لكن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي ونظرائه تشير إلى قلق عميق من النوايا التركية، وسط اتهامات لأنقرة بمحاولة إقامة “محمية” داخل سوريا. وتكمن خطورة هذه التطورات في احتمال انزلاق المنطقة إلى صراع مفتوح بين جيشين قويين، في ظل تناقض المصالح وسعي كل طرف لترسيخ نفوذه. ورغم محاولات تركيا طمأنة واشنطن بعدم تهديد أمن إسرائيل، فإن الغارات الإسرائيلية، ورسائلها السياسية والعسكرية، قد تكون بداية مرحلة جديدة من التعقيد في المشهد السوري، وربما مواجهة غير مباشرة بين تل أبيب وأنقرة على الأرض السورية.
هذه المواجهة غير المعلنة بين إسرائيل وتركيا تعكس تحولات حادة في التوازنات الإقليمية، حيث لم تعد سوريا مجرد ساحة صراع داخلي، بل أصبحت مسرحاً لصدام استراتيجي بين قوى إقليمية تطمح لتثبيت حضورها في مرحلة ما بعد الحرب. أنقرة، التي دعمت فصائل المعارضة لسنوات، ترى في هذا التوقيت فرصة لترسيخ نفوذها سياسياً وعسكرياً، بينما تعتبر إسرائيل أن أي تمركز تركي، خاصة في قواعد جوية مجهزة، يمثل تهديداً مباشراً لقدرتها على المناورة وضرب الأهداف في العمق السوري.
وفي خلفية هذا التوتر، تبرز واشنطن كلاعب حاسم يحاول موازنة المصالح دون الانحياز العلني لأي طرف. فبينما تسعى تركيا لتأكيد التزامها بعدم تهديد أمن إسرائيل، تعمل تل أبيب من جهتها على الضغط لإبعاد أي قوة قد تحد من هيمنتها الجوية. ومع غياب موقف أمريكي واضح حتى الآن، تبقى الساحة السورية مفتوحة على احتمالات متعددة، أبرزها سباق نفوذ جديد بين تركيا وإسرائيل، في بلد لم يتعافَ بعد من عقدٍ دموي من الصراعات.
المصدر: وكالات




