في مشهد متسارع تتّسع فيه رقعة الدمار والمعاناة، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد حاتم كريم الفلاحي أن التصعيد الإسرائيلي شمالًا وجنوبًا في قطاع غزة ليس مجرد تحرك عسكري عابر، بل يدخل في إطار استراتيجية تهدف إلى الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة، وفرض تهجير قسري على السكان من جهة أخرى.
الفلاحي أوضح أن قوات الاحتلال وسّعت عملياتها في الجنوب، لا سيما على محور “موراغ”، ثم نقلت التصعيد إلى شمال القطاع، مكرسة نمطًا قوامه القصف الجوي والمدفعي لإجبار الأهالي على النزوح. وأضاف أن الجيش الإسرائيلي يدفع بقواته نحو شارع صلاح الدين، وهو شريان غزة الحيوي، في محاولة لعزل الشمال عن الجنوب ودفع المدنيين باتجاه البحر أو مناطق محاصرة داخل القطاع.
السيطرة على مناطق واسعة، مثل رفح والمنطقة العازلة، تكشف — بحسب الفلاحي — عن مساعٍ إسرائيلية لترسيخ واقع جديد على الأرض، يبدأ بالحصار ثم القضم التدريجي للأراضي، بحجة البحث عن أنفاق. وتبرز أهمية مدينة رفح من منظور الاحتلال كـ”عمق إستراتيجي”، خاصة عند محور فيلادلفيا، ما دفعه إلى إخلاء المنطقة باتجاه خان يونس لمضاعفة الضغط على قيادات المقاومة.
وفي الوقت الذي يعلن فيه الاحتلال توسيع عملياته في أحياء مثل الدرج والتفاح، تؤكد كتائب القسام أنها ما تزال حاضرة في الميدان، بإطلاق رشقات صاروخية وإن كانت محدودة، لكنها كفيلة بإرسال رسالة مفادها أن المقاومة لم تُكسر، وأن أوراقها لم تُكشف بعد.
هذا التصعيد، وإن بدا تكتيكيًا في ظاهره، يحمل في جوهره أبعادًا إستراتيجية خطيرة، إذ يسعى الاحتلال إلى إعادة رسم الخارطة الديمغرافية والسياسية للقطاع بالقوة، متكئًا على التفوق العسكري ومحاولًا فرض واقع جديد قبل نضوج أي تسوية سياسية، في حين تراهن المقاومة على صمودها الشعبي واحتفاظها بأوراق ردعها في مواجهة مشروع التهجير وكسر الإرادة
يختم الفلاحي تحليله بالتأكيد أن الاحتلال يسعى لتثبيت وقائع على الأرض قبل أي تسوية قادمة، بينما تستعد المقاومة لمفاجآت أكبر، في صراع لم تنتهِ فصوله بعد.
المصدر: وكالات